الاثنين، 7 مارس 2011

مصطلح الشرق الإسلامى

     الشرق والغرب من المصطلحات النسبية التى تطبق على أى قطر أو إقليم أو منطقة لكنه فى بداية القرن الثالث عشر الهجرى ، التاسع عشر الميلادى أطلق المستعمر الأوربى على أوربا وأمريكا اسم " الغرب " بينما أطلق اسم " الشرق " على البلاد التى استعمرها الأوربيون واحتلوها فى آسيا وأفريقيا ، إضافة إلى اسم الشرق القديم ، مستودع التجارات : الهند والصين .

     وأطلق الأوربيون فى القرن السابق نفسه على هذا " الشرق " أيضا اسم " الشرق الأدنى " ، وهذا المصطلح مصطلح غربى أيضا، ويقصد به البلاد الواقعة فى الحوض الشرقى للبحر الأبيض المتوسط ، التى تتميز بأنها أقرب بقاع العالم الشرقى إلى الغرب جغرافيا ، وفكريا ، إذ أن بلاد هذا الشرق شهدت حضارات إنسانية عديدة ،  منها : الحضارة المصرية القديمة ، والحضارة البابلية والأشورية والفينيقية ، والحضارة الهيلنية التى نتجت عن التقاء الحضارة اليونانية والفكر اليونانى بعقلية وفكر وورحانية الشرق ، وذلك بعد أن غزا الإسكندر الأكبر المقدونى الشرق قبل الميلاد بنحو ثلاثة قرون مكونا إمبراطورية مترامية الأطراف ، امتدت من موطنة باليونان " مقدونيا " إلى الهند وأواسط آسيا فى الشرق ، وشملت مصر حتى الإسكندرية .

     وكما أن المصطلحين السابقين من إطلاق الأوربيين ، وبالتحديد من غرب أوربا ، فإن مصطلحا آخر ظهر فى الثلث الأول من القرن الرابع عشر الهجرى ، أوائل القرن العشرين ، وبالتحديد فى عام 1320هـ  \ 1902 م ،وهو مصطلح " الشرق الأوسط " وقدم هذا المصطلح من غرب أوربا أيضا ، وذاع هذا المصطلح خلال الحرب العالمية الثانية ( 1358 هـ \ 1939م ) ولا يزال يستخدمه الغرب الأوربى والأمريكان حتى الآن ، للدلالة على البلاد التى تحيط بحوض البحر المتوسط من الشرق ، ومن الجنوب الشرقى ، وهى بلاد العالم العربى الإسلامى مضافا إليها تركيا فى الشمال وإيران فى الشرق .

     وبتعبير آخر فإن مصطلح " الشرق الأوسط " يطلق على مجموعة الدول التى تحيط بحوض البحر الأبيض المتوسط من الشرق والجنوب الشرقى ، وهى تتكون أساسا من منطقة الشام الكبرى وامتدادها من الشمال والجنوب ، كما يدل فى نطاقها أيضا الدول المتصلة بها برا من الشرق والغرب .

     ومن هنا يتبين أن أهم الدول التى تشكل " الشرق الأوسط " بتعبير الغرب ، و " الشرق الإسلامى " بالتعبير الدقيق هى : الدول العربية الآسيوية وتشمل : سوريا ، ولبنان ، والأردن ، وفلسطين ، والمملكة العربية السعودية ، واليمن ، وعمان ، ودولة الإمارات العربية ، والكويت والعراق ، وما يتاخمها من الدول الإسلامية كتركيا فى الشمال ، وإيران فى الشرق ، بالإضافة إلى مصر ، الدولة العربية الوحيدة من الشرق الإسلامى التى تقع فى أفريقيا .

     وأدق مصطلح يمكن إطلاقه على هذه البلاد السابقة هو " الشرق الإسلامى " لأنه يعبر عن هوية هذا الشرق ، الذى يدين أهله بالإسلام ، إلا فئة قليلة ، ولأنه مصطلح يذكر أبناء هذا الشرق الإسلامى بالدولة اللقيطة التى أقامها الإستعمار العالمى فى قلب هذا الشرق الإسلامى ، فلاصقت من أقطاره مصر ، وسوريا ، والأردن ولبنان ، والحجاز ، واعترضت هذه الدول ، وقطعت المواصلات بينها ، وهددت كل بلاد الشرق الإسلامى ، وهى دولة عريبة ، بعيدة كل البعد عن هذا الشرق ، وكونها الاستعمار العالمى وجمع لها اليهود التائهين فى أوربا وآسيا وإفريقيا ، وأصبحت بمفهوم " الشرق الأوسط " من دول " الشرق الإسلامى " فى العصر الحديث .

     والإسلام هو الذى وحد بين أقاليم الشرق الإسلامى ، وأقام منه بناءا قويا صلدا ، وصنعت مبادئه وتعاليمه ومناهجه حضارة إسلامية زاهرة بهذا الشرق الذى جنى ثمار حضارة الإسلام ، وأهدى منها قطوفا يانعة طيبة للعالم الغربى المسيحى ، انتفع بها فى نهضته الحديثة ، ولاتزال شذاها باقية تدل على عمق تأثير الحضارة الإسلامية فى الحضارة الغربية .

     والحضارة الإسلامية التى أوجدها الإسلام أذابت الأجناس والألوان والطبقات الاجتماعية فى بوتقة واحدة ، فأدلى كل جنس بنصيب فى تكون حضارة الإسلام ، التى لم تقتصر على الجنس العربى فى قيامها ، وإنما ساهم الفر س ، والترك ، والأكراد ، والهنود ، وغيرهم فى إقامة الحضارة الإسلامية ، ولم توصد هذه الحضارة الإسلامية أبوابها أمام المخالفين لها فى الدين والعقيدة ، من أهل الذمة ، بل سمحت لهم بالمشاركة فى العلوم التجريبة .

     ولا يزال الإسلام قادرا على جمع أقاليم الشرق الإسلامى ، بل على جمع العالم كله ، على كلمة سواء ، تحقق العدالة والاستقرارا والسعادة .

     إن الإسلام هو روح حياة الشرق الإسلامى فى العصر الحديث ، وهو الذى لابد أن يلجأ إليه ويعتمد على مبادئه ، إذا أريد تجديد هذا الشرق وقوته ، وبعث ذاتيته وطابعه ، وجعله مرة أخرى ذا رسالة خاصة سامية إلى العالم .

من كتاب التاريخ السياسى ومظاهر الحضارة فى الشرق الإسلامى
زمن المماليك والعثمانيين
للدكتور يسرى أحمد زيدان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق